أختيار شريك الحياة المناسب
المقدمة
كانت كاميليا في التاسعة عشر من عمرها، وفي سنتها الجامعية الأولى. لم تحس يوماً بما تحس به الآن من ارتباك وحيرة. جلست كاميليا في غرفة المرشدة، وهى تارة تفتح رسالة في يدها وتارة أخرى تطويها. وكانت رسالة من صديقها الذى التحق بجامعة أخرى تبعد عنها ثلاثمائة ميل. عندما تناولت الرسالة لأول مرة من صندوقها البريدى وقرأت عنوان المرسل، أحست إحساساً يقينياً بأن صديقها كتب إليها لكى يفسخ علاقته بها، ويخبرها بأنه وجد فتاة أخرى. لكن هذا لم يكن السبب وراء كتابة هذه الرسالة. فقد كتب إليها صديقها عارضاً عليها الزواج. قال لها في الرسالة "أعرف أنه يفترض في أن أتقدم إليك شخصياً. ويا ليتنى أستطيع ذلك. لكنى لا أعرف متى سنتمكن من اللقاء ثانية". وأقترح عليها أيضاً في رسالته أن يتزوجا في نهاية السنة الجامعية وأن تنتقل إلى جامعته في سنتها الجامعة الثانية. سألتها المرشدة:"كيف ستردين عليه؟" أجابت كاميليا:"لا أدرى". سألتها:"هل تحبينه؟" أجابت كاميليا فوراً: "نعم". ثم خفضت عينيها وبدأت تطوى الرسالة ثانية وقالت "لكن..." أنتظرت المرشدة بينما كانت الرسالة تخشخش بين يدى كاميليا. وأخيراً قالت كاميليا: "إن المشكلة هى إنى لست أدرى إن كان هو الشخص المناسب لى" قالت لها المرشدة: "لست ملزمة بالرد عليه الآن. اتصلى به وأخبريه بأنك غير مستعدة بعد لإعطائه جواباً."
ردت كاميليا:"لا يمكننى أن أفعل هذا به. فلن يحتمل ذلك." قالت المرشدة بصوت بطئ خافت:"إذاً ماذا ستفعلين؟" رفعت كاميليا عينيها مرة أخرى بنظرة معذبة إلى عيني المرشدة. وتدفقت الدموع من عينيها وأجهشت بالبكاء قائلة:"لا أدرى." مشكلة أختيار شريك الحياة المناسب يواجه الرجل والمرأة أهم قرارين في حياتهم يتم حسمهما في فترة المراهقة - سواء كان ذلك في مصلحتهما أم في غيرها: القرار الأول هو إن كانوا سيتبعان المسيح أم لا، والثانى هو من الذى سيقع عليه الاختيار كزوج أو زوجة. يمكن ان تسبب مشكلة اختيار "الشخص المناسب" للزواج صراعاً حاداً وإرباكاً لا بأس به في عقل الشاب أو الشابة. ويصوغ "ستافورد" هذه المعضلات كما يلى: "إن الذين يفكرون في مسآلة "شريك الحياة المناسب" هم بشكل اساسى الأشخاص الذين لا يؤمنون بالطلاق
- ويريدون الزواج مرة واحدة زواجاً يدوم إلى الأبد. فإذا كانت لديهم شكوك، فكيف سيتعاملون معاً؟ كيف يمكنهم التيقن من أنهم وجدوا الشخص المناسب؟ وحتى حين لا يكون الإنسان يفكر في الزواج، فإنه يسأل نفسه كلما قابل شخصاً لأول مرة: هل هذا هو الشخص المناسب لى؟ كيف ستعرف من هو الشخص المناسب من بين مئات الأشخاص من الجنس الآخر الذين تقابلهم؟ هل توجد حاسة سادسة تهديك؟ هل "ستعلم" حين تراه كما يقول بعضهم؟ ألا بد لك من الإحساس برعشات داخلية؟ أم أنك تستطيع القيام بتحليل عقلانى، مستخدماً الحاسوب في مزاوجتك مع شريك عمرك أو في توضيح القيم، فتتضح هوية الشخص الذى يجب أن تتزوجه؟" ينظر كثيرون إلى حالات الطلاق والزيجات التعيسة حولهم ويتساءلون إن كان يمكنهم أن يتوقعوا زواجاً أفضل لنفسهم. يلاحظون الأزواج والزوجات غير المتلائمين حسب الظاهر ويخشون أن يقوموا باختيار خاطئ أيضاً. يرون العلاقات المتسمة بالإساءة ويخشون أن يصبحوا ضحايا لخيار سيئ. يكشف أحد البحوث أن 90 بالمئة من المراهقين الذين يرتادون الكنائس يؤمنون بأن الله قصد أن يدوم الزواج مدى العمر، وأن أقل من نصفهم (48 بالمئة منهم) يقولون "أريد زواجاً كزواج والدي" ويعتقد 43 بالمئة منهم أن "من الصعب إيجاد زواج ناجح هذه الآيام". في مثل هذا الجو يقلق شباب كثيرون قلقاً شديداً حول مسألة اختيار شريك الحياة المناسب. ويحرك كثيرين دافع التصميم على عدم تكرار "أخطاء" آبائهم وأمهاتهم. ولا يريدون أن يزيدوا أرقام إحصاءات الطلاق. يريدون أن يتغلبوا على الظروف غير المواتية المحتشدة ضدهم. يريدون أن يجدوا حباً حقيقياً، حباً دائماً في الزواج. لكن يخشون من ارتكاب أخطاء.
أسباب المشاكل في مسألة اختيار شريك الحياة يرتكب شباب كثيرون أخطاء في مسألتى المواعدة والزواج.
وبعض هذه الأخطاء مأساوى. غير أن مثل هذه الأخطاء لا تكون غالباً نتيجة عدم عثورهم على الشخص المناسب، بل نتيجة لأسباب أخرى.
" عدم كون المرء الشخص المناسب يخطئ المراهقون والشباب عادة في البحث عن الشخص المناسب والصلاة حتى يظهر في حياتهم بينما لا يولون مسألة كونهم الشخص المناسب اهتماماً كبيراً أو أى اهتمام على الإطلاق.
فهنالك شباب كثيرون غير راضخين لله، وغير مطيعين لإرادته المعلنة لحياتهم. هنالك أشخاص لا يحاولون التغير إلى ذلك النوع من الأفراد الذين يمكنهم أن يهتموا "بالزوجة الكاملة" أو "الزوج الكامل" بكل حب وبدون انانية. يضيع مثل هؤلاء الأشخاص وقتهم في انتظار أن يعرفهم الله إلى "الشخص المناسب."
يتعثر اشخاص كثيرون جداً في هذه الناحية. فبدلاً من ان يصلوا ويعملوا على ان يتغيروا ليصبح الواحد منهم رجلاً (أو امرأة) مستعداً أن يكرس نفسه طول العمر لله، فإن كثيرين منهم يبحثون بشكل محموم عن شريك حياة في كل شخص يواعدونه - وهم بهذا يتجهون بأنفسهم (وبشركاء حياتهم) إلى الخيبة.
" البحث عن الشخص غير المناسب وبنفس الطريقة يبحث بعض الشبان والشابات عن "الشخص المناسب" دون ان يدركوا انهم يبحثون في واقع الأمر عن الشخص غير المناسب. فهم يرسمون صوراً في أذهانهم لصفات "الشخص المناسب" وغالباً ما تبدأ قائمة الصفات المطلوبة بالجمال الجسدى الأخاذ، والجمال الساحر الواثق، والأخلاق المعصومة.ويمكن أن تتضمن أيضاً خصائص روحية واجتماعية.
وتتخيل الفتيات أحياناً (دون ان يدركن ذلك غالباً) أن "الشخص المناسب" لابد أن يكون مثل "البابا" ويمكن للشبان ان يضعوا قائمة مطولة من المؤهلات كانت تتحلى بها صديقة سابقة لهم، أو الصفات التى يغرم بها المراهقون.
وبهذه الطريقة فإن الشباب يقومون بطبيعة الحال بخلق صورة مثالية أو رومانسية للرجل الكامل أو المرأة الكاملة من شأنها أن تعميهم عن رؤية الإمكانات المحيطة بهم. ولا يعنى هذا أنه لا يفترض في الشباب أن يبحث عن صفات معينة في شريك الحياة المحتمل، لكن يفترض أن تعكس مثل هذه الصفات أهدافاً واقعية بالتقوى.
" وجود الدوافع الخاطئة ترجع الأخطاء المرتكبة في سياق المواعدة والزواج غالباً إلى دوافع غير حكيمة وغير متسمة بالتقوى. وغالباً ما يبحث حتى المراهقون والبالغون المؤمنون عن شريك حياة لأسباب خاطئة.
وفيما يلى بعض الأسباب الخاطئة للإقدام على الزواج حسب رأى بعض الباحثين:
- الخوف من الوحدة: يقول بعضهم "لقد تزوج جميع اصدقائى فور تخرجهم من الجامعة أو المدرسة لذلك يستحسن بى أن اتزوج أيضاً". (يحس بعض الشبان والشابات انهم تركوا وحيدين وهم يرون أصدقائهم وزملائهم في الصف يتزوجون)
- الخوف من فوات قطار الزواج: يقولون " هذه مشكلة تخص إشبينة العروس دائماً، ولا تخص العروس أبداً" (يحس بعضهم أنه هو الشخص الأعزب الوحيد المتبقى، ويبدو ان النساء على وجه الخصوص يخشين البقاء وحيدات بعد أن طار من بين ايديهم "الرجال الجيدون") - الهروب الكبير: يتزوج بعضهم بسبب مشاكل الحياة في البيت.
- الزواج كرد فعل: غالباً ما يتزوج الناس بعد وقت قصير من فسخ علاقة مؤلمة. وهم بزواجهم يحاولون أن يملأوا الفراغ العاطفى أو أن ينتقموا من شخص ما.
- الزواج تحت ضغط: عندما يضغط الأهل على الشبان والشابات للزواج، فإنهم غالباً ما يتزوجون. أو عندما يضغط احد طرفى العلاقة على الشخص الآخر للزواج: فإنهما غالباً ما يتزوجا. (ويتزوج مثل هؤلاء بدافع الحب" - تسديد الأحتياجات الشخصية: يتزوج أشخاص كثيرون من أجل تسديد حاجاتهم الشخصية، لا من أجل تسديد حاجات الطرف الآخر.
وقد تتركز هذه الحاجات على التقدير الذاتى أو الجنس أو العواطف او الأمور المالية أو حاجات أخرى. وتوجد أحياناً حاجات أكثر تجذراً وتأصلاً مثل الحاجة إلى الأحساس بالجدارة والاستحقاق أو الحاجة إلى الحساس بالأهمية.
- أزمة الحمل غير الشرعى: يتزوج عدد كبير من الشبان والشابات كل سنة بسبب الحمل غير الشرعى ويكون هذا أفضل الحلول في بعض الحالات النادرة، لكنه ليس الحل المثالى في معظم الحالات" نظرة الكتاب المقدس لأختيار شريك الحياة المناسب يقول "تشارلز سويندول": " لا يتمثل النجاح في الحياة في الزواج من الشخص الذى سيسعدك بقدر ما يتمثل في تجنبك الكثيرين الذين يمكن أن يتعسوك" ثلاث أسئلة هامة: تحوى كلمات "سويندول" حكمة ساخرة. إذ يتعذب شباب كثيرون في مسالة اختيار شريك الحياة "المناسب". وهذا بطبيعة الحال قرار هام جداً. لكن الأجوبة الكتابية المتأنية عن الأسئلة الثلاثة التالية يمكن ان تكون ذات فائدة. هل هنالك شخص واحد مناسب فقط؟ يقول "ستافورد": "أعتقد أن لله إذا دعاك للزواج، فلابد أن لديه شخصاً واحداً فقط لك. وإنى أؤمن أنه يمكنك ان تتأكد من إمكان عثورك عليه (عليها) إذا سلكت في نور الله. وستقول عندئذ بيقين "هذه المرأة (أو هذا الرجل) هى الوحيدة التى خلقت لتكون زوجتى" لا يرى كل المؤمنين الأمر على هذا النحو. فقد يقول بعضهم ان الله لم يختر شخصاً واحداً معيناً لك. ويقولون أنك قد تتزوج أية واحدة من عدد كبير من الناس. وربما يكونون على صواب" ويقول الباحثان "ستاسى وباولو رينهارت" إنه لأمر أكثر واقعية أن تقول "إن المرء أن يتزوج شخصاً مناسباً لا الشخص المناسب" ويقولون: "من الواضح أننا أسرى لتوتر الحقائق المتعددة. فالله مسيطر على الأمور. ويقول ايوب: "قد علمت انك تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك امر" (ايوب2:42) غير أنه أمر صحيح وبنفس المقدار أيضاً أن الله يعطينا حرية لأتخاذ قرارات حكيمة ضمن الحدود الخلاقية المرسومة. يقول الكتاب المقدس إنه لا يمكن للمؤمن أن يتزوج إلا بمؤمنة اخرى (2كو14:6) وفي هذا تحديد كبير (فهو يستثنى كثيراً من العالم) غير أنه بمعنى آخر واسع جداً (إذاً هنالك مؤمنون كثيرون).