أنتشر سؤال يشكك في ألوهية الرب يسوع متخذاً دليلاً من الكتاب المقدس على أساس أن جلوس المسيح عن يمين الآب يوضح أنه ليس الله ، بل هو تشريف له خاص من الله أن يجلس عن يمينه ، وطبعاً يعاب على هذا الكلام في الأساس أن الله ليس له يميناً وشمالاً بالمعنى الحرفي للكلمة ، ولا يتخذ من كلمة الملكة جلست عن يمين الملك كالقديسة مريم أنها تتساوى كشخص المسيح الكلمة المتجسد مع الآب ، بل العذراء أخذت مكانه خاصة بسبب حلول الكلمة فيها بالروح القدس متخذاً منها جسداً ، وهي أيضاً عن يمين المسيح مش بالمعنى الحرفي إنما المقصود رفعتها ومكانتها الخاصة كأم الله الكلمة بالحقيقة ....
ولنا أن نستوضح المعنى من أصل الكتاب المقدس وآباء الكنيسة
شرح المعنى :
يقول القديس أثناسيوس الرسولي :
[ كون الإبن المتجسد جلس عن يمين الآب ، فماذا يُشير هذا إلا إلى أصالة بنوة المسيح لله ؟ وأن لاهوت الآب هو من لاهوت الإبن ، فلكون الإبن يحكم ويملك في ملكوت أبيه ، لذلك يجلس على نفس عرش الآب ، ويُرى بلاهوت الآب ، لذلك فإن " الكلمة " هو الله وكل من يرى الإبن يرى الآب ، ولهذا فلا يوجد إلا إله واحد .
والإبن – المتجسد – إذ يجلس عن اليمين ، فليس هذا معناه أنه يضع أباه على شماله ، ولكن يعني أن كل ما هو للآب هو أيضاً للإبن حسب القول (( كل ما هو للآب فهو لي )) ، وهكذا فالإبن رغم أنه قيل عنه يجلس عن اليمين فإنه يُرى أيضاً الآب عن اليمين ، هكذا يكشف ويوضح لنا بالأكثر أن الإبن أيضاً عن اليمين ، فالإبن حينما يجلس عن يمين الآب يكون الآب في الإبن ]
( Athanas. , Duscourse,I. 61. )
وهنا واضح أن معنى كلمة يمين = المساواة في الكرامة والمجد
وأيضا من الواضح ، أن الله مهما تشبه بالإنسان – كي ما يقدر أن يفهم الإنسان ويستوعب سر عمل المسيح – يظل كيانه فائقاً جداً عن مفهوم ما للإنسان من جلوس وقيام ويمين وشمال ... ، وبالتالي كل الأوصاف الجوهرية من أبوة وبنوة ، فالله مدرك ولكن لا يُدرك كماله ، والأب والابن رغم كونهما أقنومين ، إلا أنه بسبب جوهرهما الواحد فلا ثنائية في كيانهما إطلاقاً ، فالتساوي المطلق بينهما لا يجعل الثنائية العددية قائمة بينهما على الإطلاق . وهذا هو مفهوم "الصورة الجوهرية " في اللاهوت ، كما يقول القديس إيرينيئوس :
(( فالآب هو الجوهر غير المنظور للإبن ، والإبن هو الجوهر المنظور للآب ))
( ضد الهراطقة 4: 5 )
وهذا القول أعاد صياغته القديس أثناسيوس هكذا :
[ لأنه صار إنساناً ... وظهر في الجسد ليستعلن الآب غير المنظور ]